هل ينقطع الإنترنت عن العالم ؟
الانترنت هو نظام اتصالات عالمي يسمح بتبادل المعلومات بين شبكات أصغر تتصل من خلالها ملايين الأجهزة المختلفة، مثل الحواسيب والهواتف والأقمار الصناعية وغيرها. ولكي يعمل الانترنت، يجب أن تكون هذه الأجهزة قادرة على التواصل مع بعضها البعض بلغة مشتركة، تسمى بروتوكولات الإنترنت (Internet Protocol)، والتي تحدد كيفية تقسيم وإرسال واستقبال المعلومات عبر شبكة الإنترنت.
ولأن الانترنت هو نظام مفتوح وموزع، فلا يوجد جهة واحدة تتحكم فيه أو تملكه، بل هو نتاج تعاون وتفاهم بين مئات المؤسسات والمنظمات والشركات والحكومات والأفراد حول العالم، التي تقدم خدمات ومحتويات مختلفة على شبكة الإنترنت، أو تدير جزء من بنية التحتية التي تدعم عمله3. ولذلك، فلا يمكن أن يكون هناك زر واحد يمكن من خلاله إغلاق الانترنت عن العالم بأسره، لأن ذلك يستلزم التنسيق والاتفاق بين جميع هذه الجهات المختلفة، وهو أمر شبه مستحيل.
ولكن هذا لا يعني أن الانترنت لا يمكن أن يتأثر أو يتعطل في بعض المواقف أو المناطق. فقد حدث في الماضي أن تعرض الانترنت لانقطاعات أو اضطرابات في بعض الدول أو المناطق، نتيجة لأسباب مختلفة، مثل الأخطاء التقنية أو التخريب أو الحروب أو السياسات الحكومية. كما قد يؤثر طقس الفضاء، مثل العواصف الشمسية، على بعض خدمات الانترنت، مثل الملاحة أو التواصل عبر الأقمار الصناعية. ولكن هذه التأثيرات غالبًا ما تكون محدودة ومؤقتة، ولا تؤدي إلى انهيار كامل لشبكة الإنترنت.
إنقطاع الإنترنت عن العالم حقيقة أم إشاعة ؟
ولإثبات ذلك، نستطيع أن نستشهد ببعض المصادر العلمية والإخبارية التي تفند هذه الإشاعة. ففي عام 2023، تناقلت بعض المواقع والمنصات الإلكترونية إشاعة عن أن الانترنت سيتم قطعه عن العالم كله بسبب العواصف الشمسية التي تهدد بتدمير البنية التحتية لشبكات الإنترنت. ولكن هذه الإشاعة لا تستند إلى أي دليل علمي أو مصدر رسمي، بل هي مجرد تكهنات وتخويفات غير مبررة. فالعواصف الشمسية هي ظاهرة طبيعية تحدث بانتظام كل 11 عامًا،
وتنطوي على انبعاث كميات كبيرة من البلازما والإشعاع من سطح الشمس باتجاه الفضاء. وعلى الرغم من أن هذه الظاهرة قد تؤثر على بعض أجهزة الاتصالات والكهرباء في المناطق القطبية، إلا أنها لا تشكل خطرًا كبيرًا على شبكة الإنترنت، لأن معظم كابلات الألياف الضوئية التي تربط بين القارات والدول لا تتأثر بالتقلبات المغناطيسية التي تسببها العواصف الشمسية. وحتى في حالة حدوث عاصفة شمسية شديدة، فإن المجال المغناطيسي للأرض يعمل كدرع وقائي يحمي الأرض من أغلب التأثيرات الضارة.
وفي نفس العام، انتشرت إشاعة أخرى عن أن الانترنت سيتم قطعه عن العالم كله بسبب تحديث بروتوكولات الإنترنت في شهر أكتوبر 2023. ولكن هذه الإشاعة لا تستند إلى أي حقيقة أو مصدر موثوق، بل هي مجرد استغلال لمقطع فيديو قديم نشر في عام 2018، يتحدث عن استبدال مفاتيح كي إس كي (KSK)،
وهي مفاتيح تستخدم لضمان أمان وسلامة بروتوكول الأسماء المجالية (DNS)، والذي يسمح بتحويل العناوين الأبجدية إلى عناوين رقمية. وهذا التحديث لم يؤثر على عملية الاتصال بالإنترنت نفسها، بل كان مجرد إجراء احترازي لزيادة مستوى الحماية. وقد تم تطبيقه بشكل ناجح وبدون أي مشاكل. ولكن مؤخرًا،
هناك من أعاد نشر هذا الفيديو على أن الحدث سيكون في أكتوبر 2023، وهذا غير صحيح. كما أن التنبؤ الذي جاء به المنجمة ليلى عبد اللطيف بقولها أن الانترنت سوف يحدث له انقطاع في العام 2024، ساهم في انتشار هذه الإشاعة بشكل كبير. ولكن هذا التنبؤ لا يستند إلى أي أساس علمي أو تاريخي، بل هو مجرد رأي شخصي غير موثوق.
بروتوكولات الإنترنت هي مجموعة من القواعد والمعايير التي تحدد كيفية تبادل المعلومات والبيانات بين الأجهزة المتصلة بشبكة الإنترنت. وهذه البروتوكولات تطور بشكل مستمر ومفتوح من قبل مجتمعات علمية وهندسية مختلفة، ولا يمكن قطع الإنترنت لتحديث هذه البروتوكولات، لأنها تعمل على طبقات مختلفة من نموذج الإنترنت، ولا تؤثر على عملية الاتصال نفسها. وإذا كان هناك أي تحديث رسمي لبروتوكولات الإنترنت، فإن ذلك يُعَّلَّم مسبقًا لجمية الأطراف المعنية والمتأثرة بذلك، ويتم تطبيقه بشكل تدريجي ومتوافق.
وبناءً على ما سبق، يمكننا القول بثقة أن الانترنت لن يتم قطعه عن العالم كله بسبب العواصف الشمسية أو تحديث بروتوكولات الإنترنت، وأن هذه الإشاعات لا تمت للواقع بصلة، وهي مجرد محاولات لإثارة الرعب أو السخرية أو الانتباه. ولذلك، يجب علينا أن نكون حذرين ونتحقق من مصدر ومصداقية المعلومات التي نتلقاها عبر شبكة الإنترنت، وألا نصدق كل ما نسمع أو نرى دون تحري أو تفكير. وأيضًا يجب علينا أن نستفيد من الانترنت بشكل مسؤول وإيجابي، وألا نسيء استخدامه أو نضيعه في أمور غير مفيدة أو ضارة.
إذاً وبشكل قاطع هل سينقطع الانترنت عن العالم ؟
الجواب هو لا. لا يوجد أي دليل أو مؤشر على أن هذا سيحدث في المستقبل القريب. بل على العكس، فالانترنت يزداد تطورًا وانتشارًا وأهمية كل يوم، ويصبح جزءًا لا يتجزأ من حياتنا الشخصية والمهنية والاجتماعية. وهذا يعني أن هناك مصلحة مشتركة بين جميع المستخدمين والمزودين للحفاظ على استمرارية وأمان وجودة خدمة الانترنت. وإذا حدث أي خلل أو اضطراب في شبكة الإنترنت، فإن هذا سيكون محدودًا ومؤقتًا، وسيتم حله بسرعة من قبل الجهات المختصة.